16 - 10 - 2025

صباحيات | علامات من غزة تدعو للانزعاج بشأن المستقبل

صباحيات | علامات من غزة تدعو للانزعاج بشأن المستقبل

مشاهد عمليات الإعدام الميداني التي رأيناها عبر مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي صادرة من غزة والتي ينفذها على ما يبدو أفراد من شرطة حماس في القطاع، تدعو إلى الانزعاج بشأن الوضع الراهن في القطاع وبشأن المستقبل في غزة، خصوصًا في ظل الغموض الذي يكتنف المفاوضات حول تنفيذ بقية بنود خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب هناك. 

السؤال الذي يتعين على القيادة السياسية لحركة حماس، المنخرطة في المفاوضات، الإجابة عليه فلسطينيًا أولًا وعربيًا ثانيًا وأخيرًا دوليًا، هل يعني التفويض الممنوح لشرطة حماس لضبط الأمن في المناطق التي انسحبت القوات الإسرائيلية منها في القطاع يعطيهم الحق لتنفيذ عمليات إعدام ميداني خارج القانون، ودون محاكمة، لفلسطينيين بزعم أنهم عملاء للاحتلال أو حتى أفراد فصائل مسلحة ظهرت نتيجة للفوضى الناجمة عن الحرب والتي سيطرت على عمليات توزيع المساعدات، مثل جماعة ياسر أبو شباب؟ وهل تخدم مثل هذه التصرفات مطلب حماس بأن يكون لها دور في إدارة القطاع في المستقبل والذي يواجه معارضة شديدة من إسرائيل ومن الوسطاء الرئيسيين الذين يرون، أنه لا مستقبل لحماس ولا لسلاحها في القطاع بعد الحرب التي دامت لأكثر من عامين؟ وما النتائج التي من المتوقع أن تترتب على مثل هذه التصرفات على مجتمع غزة العشائري؟ وأخيرًا، هل تعزز مثل هذه التصرفات شرعية حماس، ليس فقط بوصفها سلطة تحكم القطاع، وإنما أيضًا بوصفها حركة مقاومة، بعد أن تركت المدنيين في مواجهة حرب الإبادة والتجويع التي شنتها إسرائيل على القطاع كله في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، وهل يعني أنها حركة مقاومة أن تتصرف بحرية وخارج القانون في تعاملها مع الخارجين على سلطتها في القطاع؟ وهل لا تزال الآليات التي اتبعتها الحركة في حكم القطاع قبل السابع من أكتوبر والحرب، لا يزال صالحًا بعد الحرب وما ترتب عليها من نتائج لا يزال يتعين على الفلسطينيين التعامل معها بمساعدة قوى خارجية إقليمية ودولية، بدءً بعمليات تطهير الأرض من مخلفات الحرب التي تشكل تهديدا لحياة المدنيين وانتهاء بعمليات الإعمار وإدارة القطاع؟

هذه أسئلة يتعين على القيادة السياسية لحماس تقديم إجابات وافية ومقنعه عليها، إذا كانوا صادقين حقًا في البحث عن صيغة للمستقبل، سواء مستقبل قطاع غزة، أو مستقبل القضية الفلسطينية. إن أوراق الاعتماد الأساسية كي يكون لحماس أي دور في المستقبل، إنما يتمثل في الإيجابية التي يتعين عليهم التحلي بها لتصحيح كثير من الأوضاع والنتائج التي ترتبت على هجوم السابع من أكتوبر، خصوصًا بعد أن تبينت لهم حدود ما يستطيعون فعله بالقوة المسلحة لمواجهة السياسات العدوانية للاحتلال، وأن التصدي لهذه السياسات يتطلب البحث عن وسائل أخرى تستكمل عمل المقاومة المسلحة، إذا كانوا يعملون حقًا من أجل القضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني. 

عليهم أن يدركوا أن أحد النتائج الأساسية المترتبة على هذه الحرب، والمتمثلة في الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، لم يكن نتيجة مباشرة للهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر، وإنما نتيجة لتمادي الحكومة الإسرائيلية في عدوانها على المدنيين في غزة وتحركهم كان من أجل التصدي لطموحاتها غير الواقعية المتمثلة في سعيها لتهجير الفلسطينيين من غزة أو إبادة أكبر عدد منهم، وأيضًا لتثبيت "حل الدولتين" في مواجهة الطروحات الإسرائيلية والأمريكية. 

هذه الحقيقة تتجاهلها حماس والفصائل المتحالفة معها والقوى المناصرة لها، خصوصًا تلك القوى التي تصر على المقاومة المسلحة كطريق وحيد لمواجهة السياسات الإسرائيلية ولا تعبأ بما قد ينال القضية الفلسطينية من خسائر بسبب هذا النهج وترى في الخسائر الباهظة التي يتكبدها الشعب الفلسطيني ثمنًا زهيدًا من أجل تحرره وفي سبيل الغاية النهائية التي يسعون إليها. هؤلاء المناصرون الذين يتغاضون عما ترتكبه فصائل المقاومة من فظائع ضد المدنيين يشجعون حماس على التمادي في سياساتها دون مراجعة وأو محاسبة، هؤلاء يمهدون الأرض لهيمنة الفاشية الدينية، ليس في فلسطين وحدها، وإنما في بلدان منطقة الشرق الأوسط.

إذا ما نظرنا إلى التطورات في سوريا وفي فلسطين وربما في مناطق أخرى تشهد صعودا للتيارات الإسلامية المتشددة، وأيضا في إسرائيل حيث يزداد تأثير القوى الدينية المتطرفة على الحياة السياسية هناك، نلاحظ صعودا متزايدًا للفاشيات الدينية التي تتخذ من شعوبها رهائن والتي تنشر الاقتتال الأهلي داخل البلدان وأحيانا بمساعدة مقاتلين أجانب على أساس ديني وعرقي ومذهبي، كما يحدث في سوريا، في وقت تعلو فيه رهانات واشنطن على إبرام اتفاق أمني بين نظام أحمد الشرع وإسرائيل لا يتطرق من قريب أو بعيد لمستقبل مرتفعات الجولان السورية المحتلة التي ضمتها إسرائيل بدعم أمريكي يجري تأكيده وتجديده الآن. فأي مستقبل ينتظر شعوب المنطقة في ظل هذا الوضع الذي تتصاعد فيه هذه التيارات التي تشن حروبًا عقائدية وأيديولوجية تدفع شعوب المنطقة ثمنها وتصب في صالح قوى طامحة لبناء إمبراطوريات إقليمية على حساب هذه شعوب المنطقة المغلوبة على أمرها. 

مرة أخرى، تلعب القوى المناصرة لحماس في دول المحيط القريب والبعيد دورًا يتطلب وقفه معه في إدانة سياسات الحكومات الوطنية الحريصة على مصالح دولها وشعوبها، بزعم أنها لا تبذل ما يكفي من جهد لحماية الفلسطينيين، والتي قد يتمادى بعضها إلى المطالبة بخطوات وإجراءات تصب في مصلحة السياسات الإسرائيلية وتخدم أهدافها المعلنة والواضحة، لا لشيء إلا لأن هذه الحكومات اختارت طرقًا أخرى للتصدي للسياسات الإسرائيلية غير الطريق الذي كانت تتطلع حماس إلى فرضه على الجميع. ومن المؤسف حقًا، أن ينال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والسلطة الفلسطينية، والقوى الفلسطينية الأخرى التي تنتهج نهجًا مغايرًا لنهج حماس وشركائها في غزة النصيب الأوفر من انتقادات واتهامات قد تصل إلى حد التخوين واتهامها بالعمالة هذه القوى، على نحو يقوض الشرعية الداخلية والخارجية للسلطة الفلسطينية، دون أن يلتفتوا لخطورة ذلك على حل الدولتين وتقويض مكسب الاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم التسوية التي تقوم على أساس حل الدولتين، ودون أن يدركوا أنهم بهذا الموقف يقدمون أكبر خدمة للحكومة الإسرائيلية ويدعمون خططها لفرض حل الدولة الإسرائيلية الواحدة، بزعم أنه لا يوجد شريك للسلام.

إن الأولوية الآن، هي لدعم الصمود الفلسطيني الذي يعني، دعم كل السياسات والخطوات والإجراءات التي تبقي الشعب الفلسطيني على أرضه، ودعم السلطة والمؤسسات الفلسطينية التي تشكل ركيزة أساسية للدولة الفلسطينية التي حظيت الآن بأكبر تأييد دولي، وأن ذلك لن يتحقق إلا من خلال إجراء حوار وطني فلسطيني واسع حول أولويات المرحلة الراهنة، ويفضل أن يكون هذا الحوار فلسطينيا وأن يستمع فيه إلى صوت المدنيين الذين يدفعون الثمن الأكثر فداحة من حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ويفضل امتناع القوى الخارجية التي تعتبر قضية فلسطين قضيتهم المركزية والقضية المركزية للعرب والفلسطينيين من اجل فرض تصوراتهم المجانية لحل الصراع على الأطراف الفلسطينية، بمناصرة نهج حماس والتشهير بنهج السلطة والقوى الفلسطينية الأخرى. هذه القوى الخارجية مطالبة بإعادة النظر في خطابها الذي لا يفعل شيئا سوى إبقاء الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، ليقدموا بذلك أكبر خدمة للاحتلال الإسرائيلية ومخططاته التوسعية وسياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وضد شعوب أخرى في المنطقة، لاسيما أننا لم نسمع من هذه الأصوات أي انتقاد لسياسات الحكومة السورية الداخلية والخارجية. هؤلاء الذي سلموا أذانهم لإعلام قناة الجزيرة التي تلعب على مشاعرهم وتدغدغها والتي تلعب دورا كبيرا في تشكيل وعيهم وتوجيهه بعيدا عن السياسات الحقيقية والواقعة للقيادة القطرية تجاه الولايات المتحدة وتجاه إسرائيل، والتي تسببت في حالة شبيهة بانفصام الشخصية العربية مماثل لانفصام السياسات القطرية. 

قد يكون للجمهور بعض الحق بسبب السياسات الإعلامية لحكومات خليجية أخرى، الأمر الذي يدعو القيادات في هذه الدول إلى التحلي بقدر أكبر من المسؤولية وإعادة النظر في السياسات الإعلامية التي تتبعها وتبني سياسات إعلامية تحترم عقل الجماهير العربية وأولوياتها وتدافع عن المصالح العليا للشعوب. إننا بحاجة إلى ما يشبه الميثاق الإعلامي لترشيد المواقف من القضايا الكبرى والحساسة لدى الجماهير في البلدان العربية. 

مرة أخرى، أنبه إلى أن السياسات الراهنة لحركة حماس والتي تعبر عنها شرطة حماس التي أعادت انتشارها في قطاع غزة مع المضي قدما في تطبيق المرحلتين الأولى والثانية لخطة ترامب لإنهاء الحرب لا تخدم القضية الفلسطينية ولا الشعب الفلسطيني بل ولا تخدم موقف مفاوضي الحركة، وأن نتيجتها الأرجح قد تكون لصالح الأطراف والقوى في إسرائيل المتعطشة لمواصلة الحرب على الفلسطينيين واستمرارها دون أي نهاية في الأفق.
----------------------------
بقلم: أشرف راضي         

مقالات اخرى للكاتب

صباحيات | علامات من غزة تدعو للانزعاج بشأن المستقبل